دبي. شيماء يحيى وكالة الأنباء الالمانية (د.ب.أ)
مع حلول موسم الشتاء، تنطلق في الإمارات قافلة من الإبل، تغوص في عمق صحراء الربع الخالي، قاطعة مئات الكيلو مترات، بعيدا عن كل مظاهر الحياة المدنية، ويعيش ركابها في أجواء تشبه ما كان يعيشه سكان شبه الجزيرة العربية في الحياة القديمة.
هذه الإبل، لا تحمل ركابا من الإماراتيين والخليجيين فقط، بل تحمل ركابا من دول أوربية وآسيوية وعربية، ليعيشوا حياة سكان الخليج القدامى.
القافلة ينظمها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث بدبي، ضمن مبادراته لحفظ ونشر التراث الوطني في دولة الإمارات.
وينظم المركز رحلة قافلة الهجن سنويا خلال موسم الشتاء، منذ 11 عاما، ، بهدف “التعريف بإرث الأجداد بما تحمله من قيم الأصالة، والحفاظ على تقاليد الهجن لنقلها إلى الأجيال القادمة، والاحتفاء بقوافل الإبل كجزء أساسي من التراث الوطني، ومصدر للحياة في منطقة الخليج العربي منذ القدم”.
وانطلقت أول قافلة للهجن ينظمها المركز في عام 2014، وكانت رحلة تجريبية لمجموعة من الشباب الإماراتيين للتعرف على تراثهم المحلي وخوض تحدي للقدرة والتحمل في ربوع الصحراء لأكثر من 11 يوما.
وسميت أول رحلة باسم (رحلة الهجن الاستكشافية)، وهدفت إلى تعريف أبناء الإمارات بجزء هام من حياة أجدادهم، لايعيشونه في حياتهم الحديثة، ثم تطورت الرحلة وتوسعت وتباعدت مسافاتها، وزاد عدد ساعات الترحال فيها، فسميت (قافلة الهجن) كونها لم تعد تقتصر على الاستكشاف بل محاكاة الحياة القديمة بشكل كامل تقريبا.
ويسبق القافلة تحضيرات وتجهيزات كبيرة تمتد لأسابيع من الإعداد والعمل للتخطيط وتحديد الطرق في الصحراء ومواقع التخييم.
ولما لاقته الرحلة من نجاح في دورتها الأولى، توافدت اعداد كبيرة من المقيمين في الإمارات ليحذوا حذو الشباب الإماراتيين الذين بدأوا التجربة على خطى الأباء والأجداد في الماضي، ولم تقتصر طلبات المشاركة على الشباب العربي، بل شهدت قافلة الهجن نموا ملحوظا عبر السنوات في إعداد الراغبين بالمشاركة من النساء والرجال والشباب، من مختلف الأعمار والجنسيات التي تقطن الإمارات، إضافة إلى مشاركة أطفال إماراتيين في بعض دوراتها، وأثبت هؤلا الأطفال سرعة في التعلم والاستجابة للتدريبات قبل وخلال الرحلة، ما أسهم في غرس جزء مهم من التراث الإماراتي والخليجي في وجدانهم.
وانطلقت رحلة قافلة الهجن هذا العام، قبل أيام، بصحراء الربع الخالي بأبوظبي، ومن المقرر أن تقطع مسافة 700 كيلومتر تقريبا لتصل إلى دبي بعد نحو أسبوعين من بداية تحركها.
ويشارك في القافلة 33 شخصا من 17 جنسية عربية وأوربية وآسيوية، يخوضون، لأول مرة، تجربة التنقل في الصحراء وقطع الكثبان الرملية والعيش في بيئة سكان الجزيرة العربية قبل مئات السنين.
ويقود الرحلة في كل عام خبير التراث عبد الله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لاحياء التراث، ويحرص في كل رحلة على تعريف المشاركين بتفاصيلها وتدريبهم، قبل انطلاقها، على تحمل ظروف المعيشة الصحراوية، ومساعدتهم وإرشادهم خلال الرحلة.
ويقول بن دلموك لوكالة الأنباء الالمانية (د ب ا): تقام القافلة سنويا، وهذه الرحلة هي الـ11 التي ينظمها المركز، وتشهد في كل عام زيادة ملحوظة في عدد المشاركين من مختلف الجنسيات الأوربية والاسيوية والعربية.
وأضاف: تعد هذه الرحلة استثنائية وامتحان للصبر والشجاعة، إذ يواجه المشاركون في القافلة تحديات حياة الصحراء المظلمة والمرور فوق كثبان رملية عالية، ويتعرضون لطقس حار في الظهر وشديد البرودة ليلا، وهي ظروف لم يعشها من قبل كثير من المشاركين خصوصا أبناء الجنسيات الغربية والآسيوية، لذلك تتطلب المشاركة الرحلة لياقة بدنية عالية وقدرة على تحمل بعض الظروف الطبيعية القاسية، إضافة إلى تحمل الانعزال عن حياة المدينة، مع الالتزام بتعليمات قائد الرحلة حتى الوصول إلى النهاية.
ويوضح “تختلف قافلة الهجن التي ننظمها، عن رحلات الهجن القصيرة التي تقام في بعض مناطق الإمارات ودول الخليج، والتي تكون مجرد رحلات سياحية للتنزه في مخيم محدود المساحة، لكن قافلتنا هي بالكامل قافلة من الحياة القديمة بكل تفاصيلها، وتعتمد على التدريبات المكثفة من قبل المشاركين لاحتراف عملية امتطاء الهجن وامتحان قدرات المشاركين الفردية وعزيمتهم لخوض تحد جديد في الصحراء المترامية وسط طرق وعرة وتلال رملية عميقة تتطلب منهم النزول ودفع الهجن لاجتيازها”.
وأكمل عبد الله بن دلموك: “يكتسب المشاركون في القافلة مهارات ركوب الإبل والتعامل معها، واختبار قدراتهم الفردية، وتحفيز عزائمهم لمواجهة تحديات الصحراء وقطع الطرق الوعرة والتلال الرملية الصعبة”.
وأضاف “يسكن المشاركون خلال فترات توقفهم في خيام كان يقيم فيها سكان الخليج القدامى، ويتولون نصبها بأنفسهم، ويمرون بمناطق تاريخية ومحميات طبيعية ومناطق لتجمع قطعان المها العربي خلال رحلتهم”.
وأشار إلى أن المشاركين رغم تعدد جنسياتهم وصغر أعمارهم أبدوا سعادة شديدة لخوض التجربة والتنقل على ظهور الجمال بين كثبان الرمال العالية، ومحاكاة تجارب الخليجيين القدامى في التنقل بصحراء شبه الجزيرة العربية.
وتابع بالقول “نهدف من خلال هذه الرحلة السنوية للتعريف بإرث الأجداد في التنقل بين تضاريس الصحراء العميقة، والسكن بالخيام فوق الرمال، وتناول المأكولات الخليجية التراثية التي يشاركون في طبخها، والتدرب على كيفية قيادة الجمال وترويضها وتوجيهها ضمن القافلة، ما يسهم في الحفاظ على هذه التقاليد التراثية ونقلها بين الأجيال وبين أبناء الجنسيات المختلفة”.
وتختتم الرحلة بوصولها للقرية التراثية في دبي، وسط استقبال كبير من أبناء الإمارات وفرحة كبيرة من الجمهور الذي يحتفي بالمشاركين ويهنئهم بالوصول بالسلامة، ويحيطهم بأهازيج الفرق الفنية الشعبية، ويتم تكريمهم من مركز حمدان بن محمد لأحياء التراث .
وخلال السنوات الماضية رصدت حسابات على منصات التواصل الإجتماعي صورا للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي خلال زيارته للرحالة وهم في طريق الوصول إلى نقطة النهاية في دبي، حيث اطلع على أحوالهم مباركا لهم وصولهم بسلامة وأمان.
وتقول الألمانية ليندا كروكينبير، التي شاركت في دورة سابقة بالرحلة، إنها سمعت كثيرا عن هذه القافلة، وحاولت المشاركة فيها أكثر من مرة، لكن لكثرة عدد طلبات المشاركة، كان يتم تأجيل البت في طلبها لدورة مقبلة.
وتضيف: واجهنا تحديات عديدة خلال الرحلة، لكن الأمر كان بالنسبة لي مغامرة، وأكثر ما ترك انطباعا قويا لدي هو عيش حياة الإمارات على أصولها، إذ تعرفت على تفاصيل حياة الصحراء، وتناولت الأطعمة الشعبية، واستمعت إلى القصص الشعبية الخليجية، وشاركت في أنشطة الرماية والصيد بالصقور، ما جعلها مغامرة ممتعة أتمنى تكرارها.