نعت القيادة العامة لشرطة رأس الخيمة، أمس، المقدم الدكتور علي محمد السيد كوباني رئيس قسم الطب الشرعي، “58 عاماً” الذي وافته المنية بعد صراع طويل مع مرض السرطان الذي ظلّ يقاومه لمدة تزيد على الستة أعوام، حيث امتلك رحمه الله بعداً إنسانياً وفكرياً فذاً مما جعله يحظى بمكانه امتلأت بالاحترام والتقدير في قلوب الجميع، ومثّل لهم نموذجاً فريداً في القيادة الواعية المخلصة والحازمة التي تضع مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار.
وأجمع عدد من المسؤولين وزملائه بالقيادة العامة لشرطة رأس الخيمة على تميز شخصية المغفور له بإذن الله، مؤسس الطب الشرعي في إمارة رأس الخيمة وأول طبيب شرعي في الإمارة، حيث عين كوباني في القيادة العامة لشرطة رأس الخيمة عام 1998، وكانت له اسهامات جليلة في كل المجالات منها أيضاً المجال الإعلامي والمجال الأدبي “الشعر”، حيث كان يثري مجلة “العين الساهرة” الشرطية بكتاباته العلمية التي هي نتاج خبرته العميقة في مجال عمله ويقدم خلالها العديد من النصائح والمعلومات القيّمة وكان مطلعاً جيداً على كافة الأحداث ويبدي رأيه المنبثق من كفاءته ونظرته الواسعة.
وعبر كوباني خلال حديث سابق له، عن علاقة الشعر بالطب الشرعي، مؤكداً أنها علاقة وثيقة يحتاج الطبيب خلالها للتعبير عن المهنة بكلمات حساسة تناسب طبيعة عمله، حيث يكون الطبيب مراعياً للحالة النفسية للأشخاص الذين يأتون إليه وهم في حالة حزن على فقيدهم، حيث يستخدم الطبيب كل حواسه للإحساس بما يريد المتوفي أن يبوح به لكشف الحقيقة، ليقوم الطبيب بالتحدث نيابة عن المتوفي والدفاع عن حقه أمام القضاء.
ولد المقدم الدكتور علي محمد السيد كوباني في 9 أغسطس 1963 في مدينة الخرطوم بجمهورية السودان، وفي عام 1998 تولى مهام وظيفته في القيادة العامة لشرطة رأس الخيمة، ثم تعيينه رئيساً لقسم الطب الشرعي، والذي يعتبر مؤسس الطب الشرعي في إمارة رأس الخيمة، وأول طبيب شرعي في الإمارة، نال العديد من الجوائز لتميزه في عمله واحترافيته العالية، وتم تكريمه من قبل الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حاصل على جائزة وزير الداخلية للتميز، وميدالية الخدمة الممتازة، وميدالية التميز الوظيفي لعام 2018 و2020، كما حظي بتكريم خاص من القنصلية الأردنية.
الشرطة تنعي
من جهة أخرى، قال العميد عبد الله خميس الحديدي قائد عام شرطة رأس الخيمة بالإنابة: لا ندري كيف نوفي هذا الرجل حقه.. فذلك حق أكبر من أن تسعه مقدرتنا على الوفاء، أخلص “كوباني” لهذا البلد، حتى ظننا أن الإخلاص لم يخلق إلا له، نافسنا في حب الإمارات حتى تيقنا أننا لسنا أهلا لمنافسته – لله دره – فقد كان يسبقنا دوما ليتقدم الركب في خدمة الناس.
يسألنا الناس لماذا يحبكم ويحب الإمارات الى هذا الحد، ليكون الجواب الحاضر أن من يملك قلبا كقلب (علي الكوباني) ووفاء كوفائه، فلا تملك القلوب إلا أن تذعن لحبه، فيقابلها بحب ووفاء يطوق الأعناق، ويأخذ بشغاف القلب، فالوفاء طُحن وعُجن لينتج بشراً يسير على قدمين ندعوه (علي الكوباني).
إنسانيته طغت على علمه وطبه، وكانت ذاته تتمحور حول الإنسان، أعمال الطب الشرعي تنتهي بإعداد التقارير وتسليمها لجهات الاختصاص، أما “كوباني” الإنسان فلا ينتهي عمله حتى يطهر مسكن الضحية، ويتأكد من أن أهله وذويه سيكونون في منأى عن ذكريات تنغص حياتهم، ولا يتركهم حتى يوارى فقيدهم التراب أو يُرحل لموطنه، اليوم غرقت المحاجر بالدموع وغَصت الحناجر، رأيت ذلك فيمن زاملوه وصادقوه، منهم من اتخذه أبا، ومنهم من صار له أخا.
اليوم نفقد أبانا وأخانا وصديقنا وزميلنا ومعلمنا، وأستاذ ومؤسس الطب الشرعي في رأس الخيمة وعَالِمه بلا منازع، اليوم تفقد الإمارات قامة عملاقة خدمت الأمن والعدل والقانون لربع قرن، فقدنا محباً متفرداً لهذا الوطن وأهله.