مقال – بقلم أحمد يوسف
أسفر الزلزال المميت الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 فبراير الماضي عن خسائر فادحة لم يتبيّن كامل حجمها بعد، ففي سوريا وحدها، تضرر أكثر من 9 ملايين شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، في حين جاوز عدد الوفيات 6 آلاف شخص (الرقم لا يزال في تزايد مستمر).
منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، فرضت أمريكا والاتحاد الأوروبي عقوبات مختلفة على سوريا، وآخرها قانون قيصر،الذى دخل حيّز التنفيذ عام ٢٠٢٠، وشملت حظر بيع النفط، والغاز، وفرض القيود على الاستثمارات، والبناء، واستيراد المعدات والتقنيات، وتجميد أصول البنك المركزي، وتقييد ومراقبة الاتصالات.
كل هذه العقوبات حالت دون تنمية الدولة، وإعاقة إغاثة المنكوبين، هذا ما أكده الخبير السياسى السورى، يعرب خيربك، الذي يرى أن أمريكا والغرب من خلال حصارهم لسوريا مسؤولون مسؤولية مباشرة عن قتل نصف عدد ضحايا الزلزال على أقل تقدير.
ازدواجية المعايير حول مفهوم الإنسانية
إن أزمة الزلازل الأخيرة في سوريا كشفت عن ازدواجية المعايير التي تحكم مفهوم “الإنسانية”، حيث تعتبر الولايات المتحدة الامريكية ودول الغرب، أن إنسانية المواطن الأمريكى والأوروبى، هي الأسمى، على سبيل المثال فإن إنسانية الاوكرانيين الذين يساندهم الغرب، والذين انتفضوا واجتمعوا في مجلس الامن خصيصاً في ال ٢٧ من فبراير٢٠٢٢ ،بعد ثلاثة ايام من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تبدو أهم من إنسانية السوريين الذين تعرضوا لزلزال مدمر بكل المقاييس ولم ينتفض له الغرب ومجلس الامن إلّا بعد أن وُجِّهت لهم الانتقادات لاذعة، بدليل الاعتراف الذي سجّله وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن جريفيث، في تغريدة له عبر حسابه على “تويتر”، قال فيها: “الوكالة الأممية خذلت حتى الآن الناس في شمال غرب سوريا، إن السوريين يشعرون عن حق بأنهم متروكون”، وهذا الأمر يدعو إلى ضرورة طرح النقاش حول ماهية مفهوم الإنسانية على المجتمع الدولي لإعادة تقييمه بشكل عادل في ظل تغير موازين القوى العالمية التى تتشكل في الوقت الراهن ليصبح العالم الجديد أكثر عدلاً.
عقوبات “غير شرعية” لابد من رفعها فوراً
إن فرض العقوبات الدولية من قبل الأمم المتحدة بقوانينها التي ارتضى بها جميع الأعضاء، يهدف لمعاقبة الأنظمة الحاكمة في بعض الدول على انتهاكات معينة، بهدف التصحيح وليس الانتقام من الدول والشعوب ، أما العقوبات الأحادية التي تفرضها بعض الدول -أمريكا وأوروبا على سبيل المثال- ضد البعض الآخر، فقد اعتبرتها الأمم المتحدة عقوبات غير شرعية، وطلبت المنظمة من أمريكا وأوروبا ضرورة رفع مثل هذه العقوبات فوراً، كما جاء في اجتماع ٢٧مارس ٢٠٢٠ الذى عقده الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مع العديد من قادة المنظمة، فضلاً عن عدد كبير من مندوبي الدول الأعضاء.
بالإضافة إلى ذلك أكدت مقرر الأمم المتحدة للحق في الغذاء، هلال إلفر، على أن رفع العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، أمر ملح من الناحيتين الإنسانية والعملية، ودعت إلى رفعها على كل من سوريا وكوبا وفنزويلا و إيران وزيمبابوي وكوريا الشمالية ، لضمان وصول الإمدادات الغذائية لسكانها خلال الكوارث. نفس الموقف عبّرت عنه مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، عندما دعت في أواخر مارس ٢٠٢٠ إلى تخفيف أو تعليق تلك العقوبات المنهِكة. وشددت على تفادي انهيار النظام الطبي لأي دولة في ضوء ما سيكون لذلك من تبعات كبيرة، تؤدي إلى الموت والمعاناة وانتقال العدوى على أوسع نطاق.
والواقع أن كل عقوبة دولية تفتقد للشرعية الدولية، هي عقوبة لاغية وغير عادلة، وتدخل في باب الشطط في استعمال السلطة الدولية، وضرباً في صميم مصداقية الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها، وقد حان الوقت لرفع العقوبات الامريكية غير الشرعية عن سوريا فورا وبشكل نهائي.
اعلان أمريكا رفع العقوبات مؤقتا عن سوريا مسرحية هزلية
بعد تفاقم الازمة السورية، سارعت كل من أمريكا والاتحاد الأوروبى، بالإعلان عن رفع العقوبات ” غير الشرعية ” عن سوريا لمدة ٦ اشهر، وهو حق يراد به باطل، فوفقا لرأى الممثل الدائم لسوريا بالأمم المتحدة، بسام صباغ ، فان أغلب البنوك الدولية ترفض تحويل الأموال الى سوريا لعدة أسباب: إمّا أنها لا تجد فائدة مادية لها من هذه التحويلات، أو لأنها تتجنب الوقوع تحت طائلة العقوبات الامريكية-الأوروبية خوفا من سوء تفسير التعامل مع سوريا (رغم الإعلان عن رفع العقوبات)، وكذلك الامر ينطبق على الشركات الدولية في المجالات الممنوع التعامل فيها مع سوريا، لذا يمكن القول أن رفع العقوبات التي أعلنت عنها أمريكا وأوروبا هو مسرحية هزلية لتضليل الرأي العام.
العودة لجامعة الدول العربية
ويبقى الحل الأقوى لخروج سوريا من تحت وطأة العقوبات غير الشرعية هو عودتها لجامعة الدول العربية، خاصة بعد أن قامت الدول العربية بموقف مشرف تجاه الازمة الأخيرة، وأبرز الأمثلة على ذلك ما قامت به دولة الامارات العربية المتحدة من إرسال المساعدات الإغاثية بكافة أنواعها الى سوريا عن طريق جسر جوى ضمن عملية ” الفارس الشهم ٢”، بالإضافة الى زيارة وزير الخارجية الإماراتي، سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، لدمشق، لتفقد الأوضاع على أرض الواقع، وتقديم يد العون للأشقاء السوريين.